فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَقَالَ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}.
عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {الْحَرَامَ}: سَمَّاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِ إيَّاهَا.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَهِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا أَوْ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا لَهُ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».
رَوَاهُ الْكُلُّ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَثَبَتَ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ فَسَكَتْنَا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى.
قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ فَسَكَتْنَا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.
فَقَالَ: أَلَيْسَ الْبَلْدَةُ؟»
يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا أُمِرْت أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ}.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَيْسَ الْبَلَدَ الْحَرَامَ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ».
وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: حَرَّمَهَا أَيْ بِعِلْمِهِ وَكِتَابِهِ وَكَلَامِهِ وَإِخْبَارِهِ بِتَحْرِيمِهَا وَخَلْقِهِ لِتَحْرِيمِهَا، كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ صَحِيحٌ، وَإِلَيْهِ مَنْسُوبٌ.
فَإِنْ قِيلَ: وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ حَرَّمَهَا؟ قُلْنَا: مِنْ سَطْوَةِ الْجَبَابِرَةِ وَمِنْ ظَلَمَةِ الْكُفْرِ فِيهَا بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لِيُخَرِّبَن الْكَعْبَةَ ذُو السَّوِيقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ».
قُلْنَا: هَذَا عِنْدَ انْقِلَابِ الْحَالِ، وَانْقِضَاءِ الزَّمَنِ، وَإِقْبَالِ السَّاعَةِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ الْآنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {قِيَامًا لِلنَّاسِ} قِيَامُ الشَّيْءِ قَوَامُهُ وَمِلَاكُهُ أَيْ يَقُومُونَ بِهِ قِيَامًا، كَمَا قَالَ: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}؛ أَيْ يَقُومُونَ بِهَا.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قِيَامًا لِلنَّاسِ، أَيْ صَلَاحًا.
الثَّانِي: قِيَامًا لِلنَّاسِ أَيْ أَمْنًا.
الثَّالِثُ: يَعْنِي فِي الْمَنَاسِكِ وَالْمُتَعَبِّدَات؛ قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ.
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَدْخُلُ فِيهِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ مِنْ الصَّلَاحِ، وَيَدْخُلُ التَّمَكُّنُ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَالْعِبَادَاتِ؛ فَإِنَّ لِكُلٍّ مَصْلَحَةً.
وَفَائِدَةُ ذَلِكَ وَحِكْمَتُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فِي الْجِبِلَّةِ أَخْيَافًا يَتَقَاطَعُونَ تَدَابُرًا وَاخْتِلَافًا، وَيَتَنَافَسُونَ فِي لَفِّ الْحُطَامِ إسْرَافًا، لَا يَبْتَغُونَ فِيهِ إنْصَافًا، وَلَا يَأْتَمِرُونَ فِيهِ بِرُشْدٍ اعْتِرَافًا، فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْخِلَافَةِ، وَجَعَلَ فِيهِمْ الْمَمْلَكَةَ، وَصَرَفَ أُمُورَهُمْ إلَى تَدْبِيرِ وَاحِدٍ يَزَعُهُمْ عَنْ التَّنَازُعِ، وَيَحْمِلُهُمْ عَلَى التَّأَلُّفِ مِنْ التَّقَاطُعِ، وَيَرْدَعُ الظَّالِمَ عَنْ الْمَظْلُومِ، وَيُقَرِّرُ كُلَّ يَدٍ عَلَى مَا تَسْتَوْلِي عَلَيْهِ حَقًّا، وَيَسُوسُهُمْ فِي أَحْوَالِهِمْ لُطْفًا وَرِفْقًا، وَأَوْقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ صِدْقَ ذَلِكَ وَصَوَابَهُ، وَأَرَاهُمْ بِالْمُعَايَنَةِ وَالتَّجْرِبَةِ صَلَاحَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ وَمَآلِهِ، وَلَقَدْ يَزَعُ اللَّهُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ، فَالرِّيَاسَةُ لِلسِّيَاسَةِ وَالْمُلْكُ لِنَفْيِ الْمُلْكِ، وَجَوْرُ السُّلْطَانِ عَامًا وَاحِدًا أَقَلُّ إذَايَةً مِنْ كَوْنِ النَّاسِ فَوْضَى لَحْظَةً وَاحِدَةً، فَأَنْشَأَ اللَّهُ الْخَلِيقَةَ لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ وَالْمَصْلَحَةِ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ، كُلَّمَا بَانَ خَلِيفَةٌ خَلَفَهُ آخَرُ، وَكُلَّمَا هَلَكَ مَلِكٌ مَلَكَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ؛ لِيَسْتَتِبَّ بِهِ التَّدْبِيرُ، وَتَجْرِيَ عَلَى مُقْتَضَى رَأْيِهِ الْأُمُورُ، وَيَكُفَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ عَادِيَةَ الْجُمْهُورِ؛ فَإِذَا بَعَثَ نَبِيًّا سَخَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الْمُلْكَ فِي وَقْتِهِ إنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَكَانَ صَغْوُهُ إلَيْهِ وَعَوْنُهُ مَعَهُ، كَمَا فَعَلَ بِدَانْيَالَ وَأَمْثَالِهِ.
وَإِنْ بَعَثَهُ قَوِيًّا يَسَّرَ لَهُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ، وَأَعْرَى أَرْضَ السُّلْطَانِ عَنْ ظِلِّهِ، وَجَعَلَ الْأَمْرَ فِي الدِّينِ وَأَهْلِهِ، كَمَا فَعَلَ بِمُوسَى، وَلِمَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ التَّيْسِيرِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ، وَالتَّقْدِيمِ لَهُ، وَالتَّشْرِيفِ لِقَوْمِهِ أَسْكَنَ أَبَاهُ إسْمَاعِيلَ الْبَلْدَةَ الْحَرَامَ حَيْثُ لَا إنْسَ وَلَا أَنِيسَ، وَاسْتَخْرَجَ فِيهَا ذُرِّيَّتَهُ، وَسَاقَ إلَيْهِ مِنْ الْجُوَارِ مَنْ عَمَرَتْ بِهِ تِلْكَ الْبِلَادُ وَالدِّيَارُ، وَجَرَّدَهُمْ عَنْ الْمُلْكِ تَقَدُّمَةً لِرِئَاسَةِ الْمِلَّةِ، وَكَانُوا عَلَى جِبِلَّةِ الْخَلِيقَةِ وَسَلِيقَةِ الْآدَمِيَّةِ، مِنْ التَّحَاسُدِ وَالتَّنَافُسِ، وَالتَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ، وَالسَّلْبِ وَالْغَارَةِ، وَالْقَتْلِ وَالثَّارَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ فِي الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَشِيئَةِ الْأَوَّلِيَّةِ مِنْ كَافٍّ يَدُومُ مَعَ الْحَالِ، وَرَادِعٍ يُحْمَدُ مَعَهُ الْمَآلُ؛ فَعَظَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي قُلُوبِهِمْ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لِحَقِّهِ، وَأَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ هَيْبَتَهُ لِحِكْمَتِهِ، وَعَظَّمَ بَيْنَهُمْ حُرْمَتَهُ لِقَهْرِهِ؛ فَكَانَ مَنْ لَجَأَ إلَيْهِ مَعْصُومًا بِهِ، وَكَانَ مَنْ اُضْطُهِدَ مَحْمِيًّا بِالْكَوْنِ فِيهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}.
بَيْدَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْضِعًا مَخْصُومًا لَا يُدْرِكُهُ كُلُّ مَظْلُومٍ وَلَا يَنَالُهُ كُلُّ خَائِفٍ جَعَلَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: مَلْجَأٌ آخَرُ، فَقَرَّرَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ حُرْمَةَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ فَكَانُوا لَا يَرُوعُونَ فِيهَا سَرْبًا، وَلَا يَطْلُبُونَ فِيهَا ذَنْبًا، وَلَا يَتَوَقَّعُونَ فِيهَا ثَأْرًا، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى قَاتِلَ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ فَلَا يُؤْذِيهِ.
وَاقْتَطَعُوا فِيهَا ثُلُثَ الزَّمَانِ، وَوَصَلُوا مِنْهَا ثَلَاثَةً مُتَوَالِيَةً، فُسْحَةً وَرَاحَةً، وَمَجَالًا لِلسِّيَاحَةِ فِي الْأَمْنِ وَاسْتِرَاحَةً، وَجَعَلُوا مِنْهَا وَاحِدًا مُفْرَدًا فِي نِصْفِ الْعَامِ دَرْكًا لِلِاحْتِرَامِ؛ ثُمَّ يَسَّرَ لَهُمْ الْإِلْهَامَ، وَشَرَعَ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ الْكِرَامِ الْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ، فَكَانُوا إذَا أَخَذُوا بَعِيرًا أَشْعَرُوهُ دَمًا، وَعَلَّقُوا عَلَيْهِ نَعْلًا.
رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّ الْقَلَائِدَ حَبْلٌ يَفْتِلُهُ، وَنَعْلَانِ يُقَلِّدُهُمَا، وَالنَّعْلُ الْوَاحِدُ تُجْزِي؛ وَلِذَلِكَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّدُ نَعْلَيْنِ.
وَرُبَّمَا قَلَّدَ نَعْلًا وَاحِدًا، فَإِذَا فَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ فِي بَعِيرِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَرُعْهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَقِيَهُ، وَكَانَ الْفَيْصَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ طَلَبَهُ أَوْ ظَلَمَهُ، حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَبَيَّنَ الْحَقَّ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَانْتَظَمَ الدِّينُ فِي سَلْكِهِ، وَعَادَ الْحَقُّ إلَى نِصَابِهِ، وَبِهَذَا وَجَبَتْ الْخِلَافَةُ هُدًى، وَمَنَعَ اللَّهُ الْخَلْقَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى، فَأُسْنِدَتْ الْإِمَامَةُ إلَيْهِ، وَانْبَنَى وُجُوبُهَا عَلَى الْخَلْقِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلِيُبَدِّلْنَهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي وَلَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إلَى آخِرِ الْآيَةِ: الْمَعْنَى أَنَّهُ دَبَّرَ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِهِ، وَأَنْفَذَهُ مِنْ قَضَائِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى مُقْتَضَى عِلْمِهِ، لِيَعْلَمُوا بِظُهُورِ هَذَا التَّقْدِيرِ وَانْتِظَامِهِ فِي التَّدْبِيرِ عُمُومَ عِلْمِهِ، وَشُمُولَ قُدْرَتِهِ، وَإِحَاطَتَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، كَيْفَمَا تَصَرَّفَ أَوْ تَقَدَّرَ. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)}.
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: إنما سميت الكعبة لأنها مربعة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: إنما سميت الكعبة لتربيعها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس} قال: قيامًا لدينهم ومعالم لحجهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: قيامها أن يأمن من توجه إليها.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {قيامًا للناس} قال: قوامًا للناس.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير {قيامًا للناس} قال: صلاحًا لدينهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير {قيامًا للناس} قال: شدة لدينهم.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير {قيامًا للناس} قال: عصمة في أمر دينهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: كان الناس كلهم فيهم ملوك يدفع بعضهم عن بعض، ولم يكن في العرب ملوك يدفع بعضهم عن بعض، فجعل الله لهم البيت الحرام قيامًا يدفع بعضهم عن بعض به {والشهر الحرام} كذلك يدفع الله بعضهم عن بعض بالأشهر الحرم والقلائد، ويلقي الرجل قاتل أبيه أو ابن عمه فلا يعرض له، وهذا كله قد نسخ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال: جعل الله البيت الحرام والشهر الحرام قيامًا للناس يأمنون به في الجاهلية الأولى، لا يخاف بعضهم بعضًا حين يلقونهم عند البيت، أو في الحرم أو في الشهر الحرام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد} قال: حواجز أبقاها الله في الجاهلية بين الناس، فكان الرجل لو جر كل جريرة ثم لجأ الحرم لم يتناول ولم يقرب، وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه، وكان الرجل لو لقي الهدي مقلدًا وهو يأكل العصب من الجوع لم يعرض له ولم يقربه، وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر فأحمته ومنعته من الناس، وكان إذا نفر تقلد قلادة من الإذخر أو من السمر فمنعته من الناس حتى يأتي أهله حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن. أنه تلا هذه الآية {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس} قال: لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: جعل الله هذه الأربعة قيامًا للناس هي قوام أمرهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده في قوله: {قيامًا للناس} قال: تعظيمهم إياها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل بن حيان {قيامًا للناس} يقول: قوامًا علمًا لقبلتهم، وأمنًا هم فيه آمنون.
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم {قيامًا للناس} قال: أمنا.
وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن مسلم بن هرمز قال: حدثني من أصدق قال: تنصب الكعبة يوم القيامة للناس تخبرهم بأعمالهم فيها.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي مجلز. أن أهل الجاهلية كان الرجل منهم إذا أحرم تقلد قلادة من شعر فلا يعرض له أحد، فإذا حج وقضى حجه تقلد قلادة من إذخر فقال الله: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام...} الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء الخراساني في الآية قال: كانوا إذا دخل الشهر الحرام وضعوا السلاح، ومشى بعضهم إلى بعض.
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم في الآية قال: كانت العرب في جاهليتها جعل الله هذا لهم شيئًا بينهم يعيشون به، فمن انتهك شيئًا من هذا أو هذا لم يناظره الله حتى بعد ذلك {لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض}. والله تعالى أعلم. اهـ.